الحمامات اسم ذائع الصيت في جميع أنحاء العالم, إنه اسم مدينة يعود تاريخها إلى زمن بعيد انصهرت فوق تربتها أغلب الحضارات الإنسانية التي عرفها العالم المتوسطي عبر التاريخ, وهي مدينة تقع على التخوم الجنوبية للوطن القبلي أو الشناخ الجميل على حد تعبير القدامى, وقد نشأت مدينة الحمامات ما بين البحر والجبل مرسخة في طيب الأرض من هذه البلاد, وهو ما جعلها تكون منفتحة على البحر المتوسط وغير منفصلة على داخل الوطن القبلي مرتبطة بعمق البلاد التونسية نتيجة لموقعها المتميز.
الحمامات مدينة تونسية شاركت وتفاعلت مع تاريخ البلاد العام وهو ما تشهد به الآثار المنتشرة في محيطها وما تؤرخ له النصوص الأدبية المختلفة نوعا ولغة.
قد تبدو منطقة الحمامات من أقدم المناطق التاريخية في البلاد مثلما تشهد بذلك آثار منطقة سيدي لطرش التي تبرهن على قدرة الإنسان في هذه المنطقة على تطويع الطبيعة والتحكم فيها بفعل تمكنه من تقنيات مختلفة.
وقد كان لهذا الموقع المتميز والمحيط الطبيعي الطيب أثره في تاريخ المنطقة وادماجها في إطار عالمي , إذ جلب لها نساء ورجالا من مختلف الأصقاع البعيدة والقريبة. فقد جاء الفينيقيون في إطار بحثهم على محطات بحرية تجارية على ضفاف المتوسط منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد, ولم تكن منطقة الحمامات بمعزل عن هذه الحركة , فهي تقع على الساحل الفاصل بين كركوان وحضرموت (سوسة), مما جعلها مرسى ضروريا في عصر لم تتجاوز فيه حركة التنقل البحري إمكانيات المساحلة.
أما في العصر الروماني, فقد أصبحت المدينة تحمل اسم “بوبوت”, وهو اسم الموقع الأثري القديم للمدينة. وقد عرفت المدينة في العهد الروماني تقدما هاما دفع بها إلى مقدمات الهرم الإداري الروماني الذي كان سائدا في مختلف أنحاء العالم المتوسطي, إذ أصبحت مستعمرة شرفية. وساهم هذا الموقع الإداري في إثراء المدينة بالمعالم من حمامات وقنوات لجلب المياه من منطقة الفوارة, ولم تكن المدينة الرومانية بمعزل عن محيطها إذ كانت تشكل مع مدينة “سياقو” ( بئر بورقبة حاليا) مجالا عمرانيا هاما. وساهم هذا الوضع في إثرائها في الفترات اللاحقة, إذ عرفت نهضة فكرية تميزت بتعدد الأفكار والمذاهب , فقد كانت بها كنيسة مزدوجة تشمل الكاثوليك والدوناتيين. ولم تتقلص هذه الحركة الفكرية مع مجيء العرب, بل أصبحت تساهم في إشعاع الحضارة العربية الإسلامية في العصر الوسيط.
عرفت المدينة حدثين هامين هما تحول الاسم والموقع, فقد انتقل مركز المدينة في اتجاه الشمال وذلك بإحداث مدينة جديدة في الموقع الذي هي فيه اليوم, وأطلق اسمها الحالي وهو اسم الحمامات. وقد نحت هذا الاسم من كثرة ما كان بها من معالم رومانية مرتبطة بالاستحمام.
وكانت النواة الأولى هي قصرها أو البرج, الذي يبدو أن الأغالبة قد شيدوه في إطار سياسة عامة تهدف إلى مراقبة السواحل درءا لما قد يأتي من مخاطر البحر, ومكانا يجتمع فيه حملة العلم والقرآن الساعين إلى التوحد والتزهد. وشيئا فشيئا أصبح القصر جاذبا للناس , وبذلك كانت أول نواة عمرانية لمدينة الحمامات التي بدأت تبرز منذ القرن الثاني عشر وعرفت اكتمال مدنيتها منذ نهاية القرن الثالث عشر في ظل الدولة الحفصية, إذ أصبحت تحتوي على مؤسسات خاصة بها مثل القاضي والعدول والشيخ, وهي من سمات المدينة بالأساس في ذلك العصر. كما عرفت في هذه الفترة بناء السور الذي ما فتئ يحضى بالعناية والترميم كلما استوجب الأمر ذلك, خاصة في العهد الحفصي.
وإن لم يكن العصر الوسيط هادئا في تاريخ المدينة, فإن الفترة الحديثة ألقت بظلها على كامل البلاد ومن ضمنها مدينة الحمامات.
فقد احتدم الصراع بين الأسبان والعثمانيين وشمل هذا الصراع العسكري مدينة الحمامات التي تأثرت سلبيا من جراء هذه الأحداث الدامية. وبذلك تكون قد دخلت لفترة طويلة في صمت لم ينقشع إلا مع استقلال البلاد.
فقد ازدهرت السياحة في المدينة التي نشطت بها منذ بداية القرن العشرين إذ نجدها في المرشدات السياحية القديمة منذ سنة 1911. وبعد الاستقلال بقليل ارتقت مدينة الحمامات إلى أعلى المراتب السياحية في البلاد وربما في عالم المتوسط . حتى أصبحت من أشهر المحطات السياحية في العالم.